فصل: فصل شَرَائِطِ جَوَازِ صلاة الخوف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل كَيْفِيّة صلاة الخوف

وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فيها اخْتِلَافًا فَاحِشًا لِاخْتِلَافِ الْأَخْبَارِ في الْباب قال عُلَمَاؤُنَا يَجْعَلُ الْإِمَامُ الناس طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِطَائِفَةٍ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً إنْ كان مُسَافِرًا أو كانت الصَّلَاةُ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ إنْ كان مُقِيمًا وَالصَّلَاةُ من ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَيَنْصَرِفُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ فَيَنْصَرِفُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيَقْضُونَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ ‏(‏بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَنْصَرِفُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقْضُونَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ بِقِرَاءَةٍ‏)‏ وقال مَالِكٌ يَجْعَلُ الناس طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِطَائِفَةٍ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُ الْإِمَامُ وَيَمْكُثُ قَائِمًا فَتَتِمُّ هذه الطَّائِفَةُ صَلَاتَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَلَا يُسَلِّمُونَ بَلْ يَقُومُونَ فَيُتِمُّونَ صَلَاتَهُمْ وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُ يقول لَا يُسَلِّمُ الْإِمَامُ حتى تُتِمَّ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ صَلَاتَهُمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَيُسَلِّمُونَ معه وَرَوَى أبو هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا صلى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً انْتَظَرَهُمْ حتى أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وَذَهَبُوا إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فبدؤوا ‏[‏فبدءوا‏]‏ بِالرَّكْعَةِ الْأَوْلَى وَالنبي صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرهُمْ ثُمَّ صلى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ولم يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ من الْعُلَمَاءِ‏.‏

وَرُوِيَ شَاذًّا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتْ له أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَى سَهْلُ بن أبي خَيْثَمَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاةَ الْخَوْفِ على نَحْوِ ما قُلْنَا وَلَنَا ما رَوَى ابن مَسْعُودٍ وابن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا على نَحْوِ ما قُلْنَا وَرَوَيْنَا عن حُذَيْفَةَ أَنَّهُ أَقَامَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِطَبَرِسْتَانَ بِجَمَاعَةٍ من الصَّحَابَةِ على نَحْوِ ما قُلْنَا ولم يُنْكِرْ عليه أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَخْذَ بِمَا رَوَيْنَا عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى وَلِأَنَّ الرِّوَايَةَ عن هَؤُلَاءِ لم تَتَعَارَضْ وَالرِّوَايَةُ عن سَهْلِ بن أبي خَيْثَمَةَ مُتَعَارِضَةٌ فإن بَعْضَهُمْ روى عنه مِثْلَ َذْهَبِنَا فَكَانَ الْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِمْ أَوْلَى مع أَنَّ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ما يَدُلُّ على كَوْنِهِ مَنْسُوخًا لِأَنَّ فيه أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ يَقْضُونَ ما سُبِقُوا بِهِ قبل فَرَاغِ الْإِمَامِ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ معه وَهَذَا كان في الِابْتِدَاءِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ ما فَاتَهُ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ ثُمَّ نُسِخَ وَلِهَذَا لم يَأْخُذْ أَحَدٌ من الْعُلَمَاءِ بِرِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ وما رُوِيَ في الشَّاذِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ في حَقِّ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفَّلِ وَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَوَّلًا وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كان مُقِيمًا فصلى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَقَضَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ شَطْرَ الصَّلَاةِ والله أعلم‏.‏

هذا إذَا لم يَكُنْ الْعَدُوُّ بِإِزَاءِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كان الْعَدُوُّ بِإِزَاءِ الْقِبْلَةِ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ الناس طَائِفَتَيْنِ فَيُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ شَطْرَ الصَّلَاةِ على النَّحْوِ الذي ذَكَرْنَا وَإِنْ صلى بِهِمْ جُمْلَةً جَازَ وهو أَنْ يَجْعَلَ الناس صَفَّيْنِ وَيَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ بِهِمْ جميعا فإذا رَكَعَ الْإِمَامُ رَكَعَ الْكُلُّ معه وإذا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ رَفَعُوا جميعا وإذا سَجَدَ الْإِمَامُ سَجَدَ معه الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَالصَّفُّ الثَّانِي قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ فإذا رَفَعُوا رؤوسهم سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ قُعُودٌ يَحْرُسُونَهُمْ فإذا رَفَعُوا رؤوسهم سَجَدَ الْإِمَامُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَسَجَدَ معه الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَالصَّفُّ الثَّانِي قُعُودٌ يَحْرُسُونَهُمْ فإذا رَفَعُوا رؤوسهم تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَيْضًا فإذا قَعَدَ وَسَلِّمْ سَلَّمُوا معه‏.‏

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ أبي لَيْلَى لَا تَجُوزُ إلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صلى صَلَاةَ الْخَوْفِ هَكَذَا بِعُسْفَانَ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْعَدُوِّ الْقِبْلَةَ وَلِأَنَّهُ ليس في هذه الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ذَهَابًا وَمَجِيئًا وَاسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ وَأَنَّهَا أَفْعَالٌ مُنَافِيَةٌ لِلصَّلَاةِ في الْأَصْلِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا ما أَمْكَنَ وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ ذلك جَائِزٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ على نَحْو ما يُصَلِّي أَنْ لو كان الْعَدُوُّ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ منهم مَعَكَ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ‏}‏ أَمَرَ بِجَعْلِ الناس طَائِفَتَيْنِ وَلِأَنَّ الْحِرَاسَةَ بهذا الْوَجْهِ أَبْلَغُ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ لم يَكُونُوا يُشَارِكُونَهُمْ في الصَّلَاةِ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَكَانُوا أَقْدَرَ على الْحِرَاسَةِ وَلِأَنَّ فِيمَا قَالَا يُخَالِفُ كُلُّ صَفٍّ إمَامَهُمْ في سَجْدَةٍ وَمُخَالَفَةُ الْإِمَامِ مَنْهِيَّةٌ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ من الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ فإن ذلك جَائِزٌ بِحَالٍ فإن من سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَمْشِي عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُتَطَوِّعُ على الدَّابَّةِ يُصَلِّي أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ الدَّابَّةُ والله أعلم‏.‏

ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَا يقرؤون ‏[‏يقرءون‏]‏ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَعَجَزُوا عن الْإِتْمَامِ لِمَعْنًى من الْمَعَانِي فَصَارَ كَالنَّائِمِ وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ وَجَاءَ وَلَا شَكَّ أَيْضًا أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ يقرؤون ‏[‏يقرءون‏]‏ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ فَيَقْضُونَ بِقِرَاءَةِ هذا الذي ذَكَرْنَا في ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أو ذَوَاتِ رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا في الْمَغْرِبِ فَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وقال سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ وقال الشَّافِعِيُّ هو بِالْخِيَارِ وَجْهُ قَوْلِ سُفْيَانَ أن فَرَضَ الْقِرَاءَةَ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ في ذلك حَظًّا وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا وَالشَّافِعِيُّ يقول مُرَاعَاةُ التَّنْصِيفِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ شَاءَ صلى بِهَؤُلَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ صلى بِأُولَئِكَ وَلَنَا أَنَّ التَّنْصِيفَ وَاجِبٌ وقد تَعَذَّرَ هَهُنَا وكان تَفْوِيتُ التَّنْصِيفِ على الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا تَفْوِيتَ قَصْدًا بَلْ حُكْمًا لِإِيفَاءِ حَقِّ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ يَجِبُ على الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ رَكْعَةً وَنِصْفًا لِتَتَحَقَّقَ الْمُعَادِلَةُ في الْقِسْمَةِ فَشُرِعَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَضَاءً لِحَقِّهِمْ إلَّا أنها لَا تَتَجَزَّأُ فَيَجِبُ عليه إتْمَامُهَا فَأَمَّا لو صلى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ فَوَّتَ التَّنْصِيفَ على الطَّائِفَةِ الْأُولَى قَصْدًا لَا حُكْمًا لِإِيفَاءِ حَقِّهِمْ لِأَنَّهُ لم يَشْتَغِلْ بَعْدُ بِإِيفَاءِ حَقِّ الثَّانِيَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَفْوِيتَ الْحَقِّ حُكْمًا دُونَ تَفْوِيتِهِ قَصْدًا لِذَلِكَ كان الْأَمْرُ على ما وَصَفْنَا وَاَللَّهُ تعالى أَعْلَمُ‏.‏

ثُمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى تَقْضِي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَقْعُدُونَ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَهُمَا كما يَفْعَلُ الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَتَيْنِ في الْمَغْرِبِ والله أعلم‏.‏

فصل شَرَائِطِ جَوَازِ صلاة الخوف

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْجَوَازِ فَمِنْهَا أَنْ لَا يُقَاتِلَ في الصَّلَاةِ فَإِنْ قَاتَلَ في صَلَاتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وقال مَالِكٌ لَا تَفْسُدُ وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ في الْقَدِيمِ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ أَبَاحَ لهم أَخْذَ السِّلَاحِ فَيُبَاحُ الْقِتَالُ وَلِأَنَّ أَخْذَ السِّلَاحِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْقِتَالِ بِهِ وَلِأَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَشْيِ في الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقِتَالِ وَلَنَا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم شُغِلَ عن أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يوم الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ بَعْدَ هَوِيٍّ من اللَّيْلِ وقال شَغَلُونَا عن الصَّلَاةِ الْوُسْطَى مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُطُونَهُمْ نَارًا فَلَوْ جَازَتْ الصَّلَاةُ مع الْقِتَالِ لَمَا أَخَّرَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ إدْخَالَ عَمَلٍ كَثِيرٍ ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ في الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ في الْأَصْلِ فَلَا يُتْرَكُ هذا الْأَصْلُ إلَّا في مَوْرِدِ النَّصِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ في الْمَشْيِ لَا في الْقِتَالِ مع أَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ بَقَاءُ الصَّلَاةِ مع الْمَشْيِ لَا الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ فَوْقَ الْبَقَاءِ فَأَنَّى يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِخِلَافِ أَخْذِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَلِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْجَوَازِ معه والله أعلم‏.‏

وَمِنْهَا أَنْ يَنْصَرِفَ مَاشِيًا وَلَا يَرْكَبُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَلَوْ رَكِبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كان انْصِرَافُهُ من الْقِبْلَةِ إلَى الْعَدُوِّ أو من الْعَدُوِّ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وهو مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فإنه أَمْرٌ لَا بُدَّ منه حتى يَصْطَفُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَكَذَا أَخْذُ السِّلَاحِ أَمْرٌ لَا بُدَّ منه لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلدَّفْعِ وَلِأَنَّهُمْ لو غَفَلُوا عن أَسْلِحَتِهِمْ يَمِيلُونَ عليهم على ما نَطَقَ بِهِ الْكتاب وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فيها لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الضَّرُورَة وَلَوْ كان الْخَوْفُ أَشَدَّ وَلَا يُمْكِنُهُمْ النُّزُولُ عن دَوَابِّهِمْ صَلَّوْا رُكْبَانًا بِالْإِيمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أو رُكْبَانًا‏}‏ ثُمَّ إنْ قَدَرُوا على اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَلْزَمُهُمْ الِاسْتِقْبَالُ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ إذَا صَلَّاهَا على الدَّابَّةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِنْ قَدَرَ عليه لِأَنَّ حَالَةَ الْفَرْضِ أَضْيَقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِيمَاءُ في التَّطَوُّعِ مع الْقُدْرَةِ على النُّزُولِ وَلَا يَجُوزُ ذلك في الْفَرْضِ وَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا وَلَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً رُكْبَانًا في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وقد رُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ جَوَّزَ لهم في الْخَوْفِ أَنْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا بِجَمَاعَةٍ وقال أَسْتَحْسِنُ ذلك لِيَنَالُوا فَضِيلَةَ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وقد جَوَّزْنَا لهم ما هو أَعْظَمُ من ذلك وهو الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ طريق ‏[‏طريقا‏]‏ فَيَمْنَعُ ذلك صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ على ما بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مع الْإِمَامِ على دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْمَشْيِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ ذلك أَمْرٌ لَا بُدَّ منه فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا وَلَوْ صلى رَاكِبًا وَالدَّابَّةُ سَائِرَةٌ فَإِنْ كان مَطْلُوبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ السَّيْرَ فِعْلُ الدَّابَّةِ في الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَيْهِ من حَيْثُ الْمَعْنَى لِتَسْيِيرِهِ فإذا جاء الْعُذْرُ انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ ما إذَا صلى مَاشِيًا أو سَابِحًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذلك فِعْلُهُ حَقِيقَةً فَلَا يُتَحَمَّلُ إلَّا إذَا كان في مَعْنَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَلَيْسَ ذلك في مَعْنَاهُ على ما مَرَّ وَإِنْ كان الرَّاكِبُ طَالِبًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا خَوْفَ في حَقِّهِ فَيُمْكِنُهُ النُّزُولُ وَكَذَلِكَ الرَّاجِلُ إذَا لم يَقْدِرْ على الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يومىء إيمَاءً لِمَكَانِ الْعُذْرِ كَالْمَرِيضِ والله أعلم‏.‏

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ في حَالِ مُعَايَنَةِ الْعَدُوِّ حتى لو صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ولم يُعَايِنُوا الْعَدُوَّ جَازَ لِلْإِمَامِ ولم يَجُزْ لِلْقَوْمِ إذَا صَلَّوْا بِصِفَةِ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ وَكَذَا لو رَأَوْا سَوَادًا ظَنُّوهُ عَدُوًّا فإذا هو إبِلٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجُوزُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ شُرِعَتْ عِنْدَ الْخَوْفِ وقد صَلَّوْا عِنْدَ الْخَوْفِ فَتُجْزِئُهُمْ وَلَنَا أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ الْخَوْفُ من الْعَدُوِّ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ ولم يُوجَدْ الشَّرْطُ إلَّا أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ مَقْضِيَّةٌ بِالْجَوَازِ لِانْعِدَامِ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ منه بِخِلَافِ الْقَوْمِ فَلَا يُتَحَمَّلُ ذلك إلَّا لِضَرُورَةِ الْخَوْفِ من الْعَدُوِّ ولم تَتَحَقَّقْ ثُمَّ الْخَوْفُ من سَبُعٍ يُعَايِنُوهُ كَالْخَوْفِ من الْعَدُوِّ لأن الْجَوَازَ بِحُكْمِ الْعُذْرِ وقد تَحَقَّقَ وَالله أعلم‏.‏

فصل حُكْم هذه الصَّلَوَاتِ إذَا فَسَدَتْ

وَأَمَّا حُكْمُ هذه الصَّلَوَاتِ إذَا فَسَدَتْ أو فَاتَتْ عن أَوْقَاتِهَا أو فَاتَ شَيْءٌ من هذه الصَّلَوَاتِ عن الْجَمَاعَةِ أو عن مَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ في آخِرِ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا فَسَدَتْ يَجِبُ إعَادَتُهَا ما دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا لِأَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ الْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ في الذِّمَّةِ فَيَجِبُ تَفْرِيقُهَا عنه بِالْأَدَاءِ وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ صَلَاةٌ منها عن وَقْتِهَا بِأَنْ نَامَ عنها أو نَسِيَهَا ثُمَّ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أو اشْتَغَلَ عنها حتى خَرَجَ الْوَقْتُ يَجِبُ عليه قَضَاؤُهَا وَالْكَلَامُ في الْقَضَاءِ يَقَعُ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ أَصْلِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ وفي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ‏.‏

أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ عليه قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم من نَامَ عن صَلَاةٍ أو نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا أو اسْتَيْقَظَ فإن ذلك وَقْتُهَا وفي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا وَقْتَ لها إلَّا ذلك وَقَوْلُهُ ما أَدْرَكْتُمْ فصلوا وما فَاتَكُمْ فَاقْضُوا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ في الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ أنها إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا أنها تُقْضَى إذَا اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَأَمْكَنَ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ وُجُوبَهَا في الْوَقْتِ لِمَعَانٍ هِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهِيَ خِدْمَةُ الرَّبِّ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَقَضَاءُ حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ وَشُكْرُ النِّعْمَةِ وَتَكْفِيرُ الزَّلَلِ وَالْخَطَايَا التي تَجْرِي على يَدِ الْعَبْدِ بين الْوَقْتَيْنِ وَأَمْكَنَ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ من جِنْسِهَا مَشْرُوعٌ خَارِجَ الْوَقْتِ من حَيْثُ الْأَصْلُ حَقًّا له فَيَقْضِي بِهِ ما عليه وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَمِنْهَا أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ إذْ الْإِيجَابُ على غَيْرِ الْأَهْلِ تَكْلِيفُ ما ليس في الْوُسْعِ وَمِنْهَا فَوَاتُ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتِ وَلَا فَائِتَ مُحَالٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ من جِنْسِهَا مَشْرُوعًا له في وَقْتِ الْقَضَاءِ إذ الْقَضَاءُ صَرَفَ ما له إلَى ما عليه لِأَنَّ ما عليه يَقَعُ عن نَفْسِهِ فَلَا يَقَعُ عن غَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ في الْقَضَاءِ حَرَجٌ إذْ الْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ في الْوَقْتِ فَلَيْسَ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ اسْتِدْرَاكًا لِلْمُصْلِحَةِ الْفَائِتَةِ في الْوَقْتِ وهو الثَّوَابُ وَفَوَاتُ هذه الْمَصْلَحَةِ لَا يَقِف على الْوُجُوبِ فَلَا يَكُونُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ على ما عُرِفَ في الْخِلَافِيَّاتِ وإذا عُرِفَ هذا فَنَقُولُ لَا قَضَاءَ على الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ في زَمَانِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَلَا على كافر ‏[‏الكافر‏]‏ لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ إذْ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِشَرَائِعَ هِيَ عِبَادَاتٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجِبُ عليهم بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ وَالْإِسْلَامِ أَيْضًا لِأَنَّ في الْإِيجَابِ عليهم حَرَجًا لِأَنَّ مُدَّةَ الصِّبَا مَدِيدَةٌ وَالْجُنُونُ إذَا اسْتَحْكَمَ وهو الطَّوِيلُ منه قَلَّمَا يَزُولُ وَالْإِسْلَامُ من الْكَافِرِ الْمُقَلِّدِ لِآبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ نَادِرٌ فَكَانَ في الْإِيجَابِ عليهم حَرَجٌ وَأَمَّا الْمُغْمَى عليه فَإِنْ أُغْمِيَ عليه يَوْمًا وَلَيْلَةً أو أَقَلَّ يَجِبُ عليه الْقَضَاءُ لِانْعِدَامِ الْحَرَجِ وَإِنْ زَادَ على يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا قَضَاءَ عليه لِأَنَّهُ يُحْرَجُ في الْقَضَاءِ لِدُخُولِ الْعِبَادَةِ في حَدِّ التَّكْرَارِ وَكَذَا الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عن الْإِيمَاءِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ ثُمَّ بَرَأَ فَإِنْ كان أَقَلَّ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أو يَوْمًا وَلَيْلَةً قَضَاهُ وَإِنْ كان أَكْثَرَ لَا قَضَاءَ عليه لِمَا قُلْنَا في الْمُغْمَى عليه وَمِنْ الْمَشَايِخِ من قال في الْمَرِيضِ إنَّهُ يَقْضِي وَإِنْ امْتَدَّ وَطَالَ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُعْجِزُهُ عن فَهْمِ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عن الْمُغْمَى عليه ليس لِعَدَمِ فَهْمِ الْخِطَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ على الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَإِنْ كَانَتَا تَفْهَمَانِ الْخِطَابَ بَلْ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وقد وُجِدَ في الْمَرِيضِ وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُنُونَ الْقَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَدَلَّتْ هذه الْمَسَائِلُ على أَنَّ سَابِقِيَّةَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَعَلَى هذا تَخْرُجُ الصَّلَوَاتُ الْفَائِتَةُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قَضَاهَا في غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إنه يَقْضِيهَا بِلَا تَكْبِيرٍ لِأَنَّ في وَقْتِ الْقَضَاءِ صَلَاةً مَشْرُوعَةً من جِنْسِ الْفَائِتَةِ وَلَيْسَ فيه تَكْبِيرٌ مَشْرُوعٌ من جِنْسِهِ ‏(‏وهو الذي يَجْهَرُ بِهِ‏)‏‏.‏

وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ فَجَمِيعُ ما ذَكَرْنَا إنه شَرْطُ جَوَازِ الْأَدَاءِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ إلَّا الْوَقْتَ فإنه ليس لِلْقَضَاءِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ بَلْ جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ وَقْتٌ له إلَّا ثَلَاثَةً وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ الزَّوَالِ وَوَقْتَ الْغُرُوبِ فإنه لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ في هذه الْأَوْقَاتِ لِمَا مَرَّ أَنَّ من شَأْنِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْفَائِتِ وَالصَّلَاةُ في هذه الْأَوْقَاتِ تَقَعُ نَاقِصَةً وَالْوَاجِبُ في ذِمَّتِهِ كَامِلٌ فَلَا يَنُوبُ النَّاقِصُ عنه وَهَذَا عِنْدَنَا وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَضَاءُ الْفَرَائِضِ في هذه الْأَوْقَاتِ جَائِزٌ كما قال بِجَوَازِ أَدَاءِ الْفَجْرِ مع طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَمَا يَجُوزُ أَدَاءُ عَصْرِ يَوْمِهِ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ بِلَا خِلَافٍ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من نَامَ عن صَلَاةٍ أو نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فإن ذلك وَقْتُهَا لَا وَقْتَ لها غَيْرُهُ من غَيْرِ فصل بين وَقْتٍ وَوَقْتٍ وَالدَّلِيلُ عليه إنه يَجُوزُ عَصْرُ يَوْمِهِ أَدَاءٌ فَكَذَا قَضَاءٌ وَلَنَا عُمُومُ النَّهْيِ عن الصَّلَاةِ في هذه الْأَوْقَاتِ بِصِيغَتِهِ وَبِمَعْنَاهُ على ما نَذْكُرُ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إن شاء الله تعالى‏.‏

وما رَوَاهُ عَامٌّ في الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا وما نَرْوِيهِ خَاصٌّ في الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَيُخَصِّصُهَا عن عُمُومِ الْأَوْقَاتِ مع ما أَنَّ عِنْدَ التَّعَارُضِ الرُّجْحَانُ لِلْحُرْمَةِ على الْحِلِّ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ فإن الِاسْتِثْنَاءَ بِعَصْرِ يَوْمِهِ ثَبَتَ في الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا فَجَوَّزْنَاهَا وَلِأَنَّا لو لم نُجَوِّزْ لَأَمَرْنَا بِالتَّفْوِيتِ وَتَفْوِيتُ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا كَبِيرَةٌ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ من جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَلَوْ جَوَّزْنَا الْأَدَاءَ كان الْأَدَاءُ طَاعَةً من وَجْهٍ من حَيْثُ تَحْصِيلُ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كان مَعْصِيَةً من حَيْثُ التَّشْبِيهُ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هذا أَوْلَى وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يَتَضَيَّقُ وُجُوبُهَا بِآخِرِ الوقت وفي عصر يومه يتضيق الوجوب في هذا الْوَقْتِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَافِرًا لو أَسْلَمَ في هذا الْوَقْتِ أو صَبِيًّا احْتَلَمَ تَلْزَمُهُ هذه الصَّلَاةُ وَالصَّلَاةُ مَنْهِيٌّ عنها في هذا الْوَقْتِ وقد وَجَبَتْ عليه نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا كما وَجَبَتْ بِخِلَافِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ فيها الشَّمْسُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَضَيَّقُ بِآخِرِ وَقْتِهَا وَلَا نَهْيَ في آخِرِ وَقْتِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا النَّهْيُ يَتَوَجَّهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فَقَدْ وَجَبَتْ عليه الصَّلَاةُ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصَةِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ هذه الصَّلَوَاتِ فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ ثَبَتَ وُجُوبُهَا في الْوَقْتِ وَفَاتَتْ عن وَقْتِهَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في كَيْفِيَّةِ قَضَائِهَا وَقْتُ الْوُجُوبِ وَتُقْضَى على الصِّفَةِ التي فَاتَتْ عن وَقْتِهَا لِأَنَّ قَضَاءَهَا بَعْدَ سَابِقِيَّةِ الْوُجُوبِ وَالْفَوْتُ يَكُونُ تَسْلِيمَ مِثْلِ الْوَاجِبِ الْفَائِتِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ على صِفَةِ الْفَائِتِ لِتَكُونَ مثله إلَّا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ لِأَنَّ أَصْلَ الْأَدَاءِ يَسْقُطُ بِعُذْرٍ فَلَأَنْ يَسْقُطَ وَصْفُهُ لِعُذْرٍ أَوْلَى وَلِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَاتَتْ عن وَقْتِهَا من غَيْرِ تَقْدِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِعُذْرٍ مَانِعٍ من الْوُجُوبِ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ يُعْتَبَرُ في قَضَائِهَا الْحَالُ وَهِيَ حَالُ الْقَضَاءِ لَا وَقْتُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لم يَثْبُتْ فيقضي على الصِّفَةِ التي هو عليها لِلْحَالِ لِأَنَّ الْفَائِتَ ليس بِأَصْلٍ بَلْ أُقِيمَ مَقَامَ صِفَةِ الْأَصْلِ خَلَفًا عنه لِلضَّرُورَةِ وقد قَدَرَ على الْأَصْلِ قبل حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَيُرَاعَى صِفَةُ الْأَصْلِ لَا صِفَةُ الْفَائِتِ كَمَنَ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ بِالتَّيَمُّمِ إنه يَقْضِيهَا بِطَهَارَةِ الْمَاءِ إذَا كان قَادِرًا على الْمَاءِ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ الْمُسَافِرُ إذَا كان عليه فَوَائِتُ في الْإِقَامَةِ إنه يَقْضِيهَا أَرْبَعًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ في الْوَقْتِ كَذَلِكَ وَفَاتَتْهُ كَذَلِكَ فيراعي وَقْتُ الْوُجُوبِ لَا وَقْتُ الْقَضَاءِ وَكَذَا الْمُقِيمُ إذَا كان عليه فَوَائِتُ السَّفَرِ يَقْضِيهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا فَاتَتْهُ بَعْدَ وُجُوبِهَا كَذَلِكَ فَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا قَضَى فَوَائِتَ الصِّحَّةِ قَضَاهَا على حَسَبِ ما يَقْدِرُ عليه لِعَجْزِهِ عن الْقَضَاءِ على حَسَبِ الْفَوَاتِ وَأَصْلُ الْأَدَاءِ يَسْقُطُ عنه بِالْعَجْزِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ وَصْفُهُ أَوْلَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كان عليه فَوَائِتُ الْمَرَضِ يَقْضِيهَا على اعْتِبَارِ حَالِ الصِّحَّةِ لَا على اعْتِبَارِ حَالِ الْفَوَاتِ حتى لو قَضَاهَا كما فَاتَتْهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ فَقَضَاهَا في حَالِ الصِّحَّةِ بِالْإِيمَاءِ لم تَجُزْ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ ليس بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فيه وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الصَّلَاةِ خَلَفًا عنها لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ على تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ بِالْإِيمَاءِ فإذا لم يُؤَدِّ بِالْإِيمَاءِ لم يَقُمْ مَقَامَهَا فَبَقِيَ الْأَصْلُ وَاجِبًا عليه فَيُؤَدِّيهِ كما وَجَبَ وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا إذَا فَاتَ شَيْءٌ من هذه الصَّلَوَاتِ عن الْجَمَاعَةِ وَأَدْرَكَ الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ وهو الذي لم يُدْرِكْ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مع الْإِمَامِ أو اللَّاحِقِ وهو الذي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مع الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ خَلْفَهُ أو سَبَقَهُ الْحَدَثُ حتى صلى الْإِمَامُ بَعْضَ صَلَاتِهِ ثُمَّ انْتَبَهَ أو رَجَعَ من الْوُضُوءِ فَكَيْفَ يَقْضِي ما سُبِقَ بِهِ أَمَّا الْمَسْبُوقُ فإنه يَجِبُ عليه أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِيمَا أَدْرَكَ وَلَا يُتَابِعُهُ في التَّسْلِيمِ فإذا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَقُومُ هو إلَى قَضَاءِ ما سَبَقَ بِهِ لِقَوْلِهِ ما أَدْرَكْتُمْ فصلوا وما فَاتَكُمْ فَاقْضُوا وَلَوْ بَدَأَ بِمَا سُبِقَ بِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ في مَوْضِعٍ وَجَبَ عليه الِاقْتِدَاءُ لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ بِالنَّصِّ وَالِانْفِرَادُ عِنْدَ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَلِأَنَّ ذلك حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ رضي اللَّهُ عنه حَيْثُ قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً حَسَنَةً فَاسْتَنُّوا بها» أَمَرَ بِالِاسْتِنَانِ بِسُنَّتِهِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ عَقِيبَ الْإِدْرَاكِ بِلَا فصل فَصَارَ نَاسِخًا لِمَا كان قَبْلَهُ وَأَمَّا اللَّاحِقُ فإنه يَأْتِي بِمَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ يُتَابِعُهُ لِأَنَّهُ في الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ في جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَإِتْمَامِهِ الصَّلَاةَ مع الْإِمَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلِهَذَا لَا قِرَاءَةَ عليه ولا سَهْوٍ عليه كما لو كان خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فإنه مُنْفَرِدٌ لِأَنَّهُ ما الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ إلَّا في قَدْرِ ما أَدْرَكَ أَلَا تَرَى إنه يَقْرَأُ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ وَلَوْ لم يَشْتَغِلْ بِمَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ وَلَكِنَّهُ تَابَعَ الْإِمَامَ في بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَفْسُدُ بِنَاءً على أَنَّ التَّرْتِيبَ في أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ ليس بِشَرْطٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْمَسْأَلَةُ قد مَرَّتْ ثُمَّ ما أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مع الْإِمَامِ هل هو أَوَّلُ صَلَاتِهِ أو آخِرُ صَلَاتِهِ وَكَذَا ما يَقْضِيهِ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا قال أبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُفَ ما أَدْرَكَهُ مع الْإِمَامِ آخَرَ صَلَاتَهُ حُكْمًا وَإِنْ كان أَوَّلَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وما يَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا وَإِنْ كان آخِرُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وقال بِشْرُ بن غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ وأبو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ إن ما يُصَلِّي مع الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا كما هو أَوَّلُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وما يقضي آخِرُ صَلَاتِهِ حُكْمًا كما هو آخِرُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بين الصَّحَابَةِ روى عن عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه مِثْلُ قَوْلِهِمْ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الشيخ أبو بَكْرٍ محمد بن الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ وقال وَجَدْتُ في غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قال ما أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ مع الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وما يَقْضِي آخِرُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كما قال أُولَئِكَ إلَّا في حَقّ ما يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عنه وهو الْقِرَاءَةُ فإنه يُعْتَبَرُ آخِرُ صَلَاتِهِ‏.‏

وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ في حَقِّ الْقُنُوتِ وَالِاسْتِفْتَاحِ فَعَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ يَأْتِي بِالِاسْتِفْتَاحِ عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لَا فِيمَا يَقْضِي لِأَنَّ ذلك أَوَّلُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ هذا مِمَّا لَا يَتَحَمَّلُ عنه الْإِمَامُ فَكَانَتْ الرَّكْعَةُ الْمُدْرَكَةُ مع الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ في حَقِّ الِاسْتِفْتَاحِ فَيَأْتِي بِهِ هُنَاكَ وَأَمَّا الْقُنُوتُ فَيَأْتِي بِهِ ثَانِيًا في آخِرِ ما يَقْضِي في قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وما أتى بِهِ مع الْإِمَامِ أتى بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَإِنْ كان في غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ ذلك في مَحَلِّهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا في آخِرِ ما يَقْضِي كما هو قَوْلُ أُولَئِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ الْقُنُوتَ عن الْقَوْمِ وَمَعَ ذلك روى عنه أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ في الْقُنُوتِ عنه رِوَايَتَانِ في رِوَايَةٍ يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ لِشَبَهِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُدْرَكَ مع الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ في حَقِّ الْقِرَاءَةِ وفي رواية‏:‏ عنه لَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ وَمَعَ هذا قال لَا يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ أتى بِهِ مَرَّةً مع الْإِمَامِ وَلَوْ أتى بِهِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الْقُنُوتِ وهو غَيْرُ مَشْرُوعٍ في صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ حَيْثُ يَأْتِي بِهِ إذَا قَضَى رَكْعَةً وَإِنْ كان أتى بِهِ مع الْإِمَامِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّكْرَارِ لَكِنَّ التَّكْرَارَ في التَّشَهُّدِ مَشْرُوعٌ في صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَأْتِي بِالِاسْتِفْتَاحِ فِيمَا أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ بَلْ فِيمَا يَقْضِي لِأَنَّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ حُكْمًا هذا وهو ما يَقْضِي لَا ذَاكَ وَلَا يَأْتِي بِالْقُنُوتِ فِيمَا يَقْضِي لِأَنَّهُ أتى بِهِ مع الْإِمَامِ في مَحَلِّهِ لِأَنَّ ذَاكَ آخِرُ صَلَاتِهِ حُكْمًا وما يَقْضِي أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَحَلُّ الْقُنُوتِ آخِرُ الصَّلَاةِ لَا أَوَّلُهَا فَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ بين أَصْحَابِنَا في الِاسْتِفْتَاحِ لَا في الْقُنُوتِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عن مُحَمَّدِ بن شُجَاعٍ الثلجي ‏[‏البلخي‏]‏ أَنَّ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ بين أَصْحَابِنَا تَظْهَرُ في حَقِّ الِاسْتِفْتَاحِ احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ لِأَصْحَابِنَا بِمَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال ما أَدْرَكْتُمْ فصلوا وما فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِتْمَامِ على الأداء ‏[‏أداء‏]‏ ما سُبِقَ بِهِ وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ يَكُونُ بِآخِرِهِ فَدَلَّ أَنَّ الذي يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ وَالدَّلِيلُ عليه وُجُوبُ الْقَعْدَةِ على من سُبِقَ بِرَكْعَتَيْنِ من الْمَغْرِبِ إذَا قَضَى رَكْعَةً وَلَوْ كان ما يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ لَمَا وَجَبَتْ الْقَعْدَةُ ‏(‏عقيب الركعة‏)‏ الْوَاحِدَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ على رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا ‏(‏على‏)‏ عَقِيبَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا إذَا قَضَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ تُفْتَرَضُ عليه الْقَعْدَةُ وَالْقَعْدَةُ لَا تُفْتَرَضُ عَقِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ وَكَذَا لو كان ما أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ كان ما قَعَدَ مع الْإِمَامِ في مَحَلِّهِ فَيَكُونُ فَرْضًا له كما لِلْإِمَامِ فَلَا يُفْتَرَضُ ثَانِيًا فِيمَا يَقْضِي كما لَا يَأْتِي بِالْقُنُوتِ عِنْدَكُمْ ثَانِيًا لِحُصُولِ ما أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ في مَحَلِّهِ وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا سُبِقَ بِرَكْعَتَيْنِ من الْمَغْرِبِ حَيْثُ يَقْضِيهِمَا مع قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ جميعا وَلَوْ كان ما يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَكَانَ لَا تَجِبُ عليه الْقِرَاءَةُ في الثَّانِيَةِ من الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَقْضِيهِمَا لِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ في الثَّالِثَةِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ كان لم يَقْرَأْ في الثَّالِثَةِ فَلَا بُدَّ لِلْمَسْبُوقِ من الْقِرَاءَةِ فيها قَضَاءً عن الْأُولَى كما في حَقِّ الْإِمَامِ إذَا لم يَقْرَأْ في الْأُولَى يَقْضِي في الثَّالِثَةِ وَإِنْ كان قَرَأَ فَقِرَاءَتُهُ التي وُجِدَتْ في ثَالِثَتِهِ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ وَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ إنَّمَا تَنُوبُ عن قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي التي هِيَ فَرْضٌ على الْمُقْتَدِي إذَا كانت فَرْضًا في حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقِرَاءَةُ في الثَّالِثَةِ ليس ‏[‏ليست‏]‏ بِفَرْضٍ في حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا تَنُوبُ عن الْمُقْتَدِي فَيَجِبُ عليه الْقِرَاءَةُ في الثَّالِثَةِ لِهَذَا لَا لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ المؤدي مع الْإِمَامِ أَوَّلُ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً وما يقضي آخِرَهَا حَقِيقَةٌ وَكُلُّ حَقِيقَةٍ يَجِبُ تَقْرِيرُهَا إلَّا إذَا قام الدَّلِيلُ على التَّغْيِيرِ وما أَدْرَكَ في حَقِّ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ فَتَصِيرُ آخِرَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ إلَّا أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَظْهَرُ في حَقِّ ما يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عن الْمُقْتَدِي لَا في حَقِّ ما لَا يَتَحَمَّلُ فَلَا يَظْهَرُ فيه حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ فَانْعَدَمَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ فَبَقِيَتْ الْحَقِيقَةُ على وُجُوبِ اعْتِبَارِهَا وَتَقْرِيرِهَا‏.‏

وَجْهُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال ما أَدْرَكْتُمْ فصلوا وما فَاتَكُمْ فَاقْضُوا وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤَدَّى من الْفَائِتِ وَالْفَائِتُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ فَكَانَ ما يُؤَدِّيهِ الْمَسْبُوقُ قَضَاءً لِمَا فَاتَهُ وهو أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَالْمَعْنَى في الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدْرَكَ لَمَّا كان آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي إذْ لو كان أَوَّلَ صَلَاتِهِ لَفَاتَ الِاتِّفَاقُ بين الْفَرْضَيْنِ وأنه مَانِعُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ فَيَقْضِي الِاتِّفَاقُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّابِعِ ما لِلْمَتْبُوعِ وَإِلَّا فَاتَتْ التَّبَعِيَّةُ وَالدَّلِيلُ على انْعِدَامِ الِاتِّفَاقِ بين أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في حُكْمِ الْقِرَاءَةِ فإن الْقِرَاءَةَ لَا تُوجَدُ في الْأُولَيَيْنِ إلَّا فَرْضًا وَتُوجَدُ في الْأُخْرَيَيْنِ غير فَرْضٍ وَكَذَا تَجِبُ في الْأُولَيَيْنِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ولا تَجِبُ في الْأُخْرَيَيْنِ وَكَذَا الشَّفْعُ الْأَوَّلُ مَشْرُوعٌ على الْأَصَالَةِ وَالشَّفْعُ الثَّانِي مَشْرُوعٌ زِيَادَةً على الْأَوَّلِ فإن الصَّلَاةَ فُرِضَتْ في الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ في السَّفْرِ وَزِيدَتْ في الْحَضَرِ على ما روى في الْخَبَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَمَعَ هذا صَحَّ فَدَلَّ على ثُبُوتِ الْمُوَافَقَةِ وَذَلِكَ في حَقِّ الْإِمَامِ آخِرَ الصَّلَاةِ فَكَذَا في حَقِّ الْمُقْتَدِي وَلَا حُجَّةَ لهم في الحديث لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بِآخِرِهِ لَا مَحَالَةَ فإن حَدَّ التَّمَامِ ما إذَا حَرَّرْنَاهُ لم يُحْتَجْ معه إلَى غَيْرِهِ وَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلٍ وَلَا بِآخِرٍ فإن من كَتَبَ آخِرَ الْكتاب أَوَّلًا ثُمَّ كَتَبَ أَوَّلَهُ يَصِيرُ مُتَمِّمًا بِالْأَوَّلِ لَا بِالْآخِرِ وَكَذَا قِرَاءَةُ الْكتاب بِأَنْ قَرَأَ أَوَّلًا نِصْفَهُ الْأَخِيرِ ثُمَّ الْأَوَّلَ وَأَمَّا وُجُوبُ الْقَعْدَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الْأُولَيَيْنِ من الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سُبِقَ بِهِمَا فَنَقُولُ الْقِيَاسُ أَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ وهو ما روى أَنَّ جُنْدُبًا وَمَسْرُوقًا اُبْتُلِيَا بهذا فصلى جُنْدُبُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَعَدَ وَصَلَّى مَسْرُوقٌ رَكْعَةً ثُمَّ قَعَدَ ثُمَّ صلى رَكْعَةً أُخْرَى فَسَأَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ عن ذلك فقال كِلَاكُمَا أَصَابَ وَلَوْ كنت أنا لَصَنَعْتُ كما صَنَعَ مَسْرُوقٌ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِتَصْوِيبِهِمَا لِمَا أَنَّ ذلك من باب الْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ كما في قَوْله تَعَالَى في قِصَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏:‏ ‏{‏فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا‏}‏ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَصْوِيبِ كل مُجْتَهِدٍ وَيُحْمَلُ على التَّصْوِيبِ في نَفْسِ الِاجْتِهَادِ لَا فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ على ما رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ثُمَّ الْعُذْرُ عنه أَنَّ الْمُدْرَكَ مع الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَفِعْلًا لَكِنَّا جَعَلْنَا آخِرَ صَلَاتِهِ حُكْمًا لِلتَّبَعِيَّةِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ فَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ مُعْتَبَرَةً فَكَانَتْ هذه الرَّكْعَةُ ثَانِيَةَ هذا الْمَسْبُوقِ وَالْقَعْدَةُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ في الْمَغْرِبِ وَاجِبَةٌ إنْ لم تَكُنْ فَرْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ وَكَذَا الْقَعْدَةُ بَعْدَ قَضَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ اُفْتُرِضَتْ لِأَنَّهَا من حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وُجِدَتْ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ وَاجِبَةَ الِاعْتِبَارِ وَقَوْلُهُمْ أنها وَقَعَتْ في مَحَلِّهَا فَلَا يُؤْتَى بها ثَانِيًا قُلْنَا هِيَ وَإِنْ وَقَعَتْ في آخِرِ الصَّلَاةِ في حَقِّ الْمُقْتَدِي كما وَقَعَتْ في حَقِّ الْإِمَامِ غير أنها ما وَقَعَتْ فَرْضًا في حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهَا ما كانت لِوُقُوعِهَا في آخِرِ الصَّلَاةِ بَلْ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بها حتى إن الْمُتَطَوِّعَ إذَا قام إلَى الثَّالِثَةِ انْقَلَبَتْ قَعْدَتُهُ وَاجِبَةً عِنْدَنَا ولم تَبْقَ فَرْضًا لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ فَكَذَا هذه الْقَعْدَةُ عِنْدَنَا جُعِلَتْ فِعْلًا في حَقِّ الْمَسْبُوقِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِمَّا سَبَقَ جاء أَوَانُ التَّحَلُّلِ فَافْتُرِضَتْ الْقَعْدَةُ وَأَمَّا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ في هذه الْمَسْأَلَةِ فَنَقُول إذَا أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ رَكْعَةً من الْمَغْرِبِ ثُمَّ قام إلَى الْقَضَاءِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأُ في كل رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَسُورَةٍ وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ في إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ في حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَالْقِرَاءَةُ في الْأُولَيَيْنِ فَرْضٌ فَتَرْكُهَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا على قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ فَلِعِلَّةٍ أُخْرَى على ما ذَكَرْنَا وكذلك إذَا أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ منها قَضَى رَكْعَةً بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ رَكْعَةً في ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَقَامَ إلَى الْقَضَاءِ قَضَى رَكْعَةً يَقْرَأُ فيها بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَسُورَةٍ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْضِي رَكْعَةً أُخْرَى يَقْرَأُ فيها بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَسُورَةٍ وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ في إحْدَاهُمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا قُلْنَا‏.‏

وفي الثَّالِثَةِ هو بِالْخِيَارِ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ على ما عُرِفَ وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ منها قَضَى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَسُورَةٍ وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ في إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بين ما إذَا قَرَأَ إمَامُهُ في الْأُولَيَيْنِ وَبَيْنَ ما إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَقَرَأَ في الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عن الْأُولَيَيْنِ وَأَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ في الْأُخْرَيَيْنِ تَلْتَحِقُ بِالْأُولَيَيْنِ فَتَخْلُو الْأُخْرَيَانِ عن الْقِرَاءَةِ فَكَأَنَّهُ لم يَقْرَأْ فِيهِمَا والله أعلم‏.‏

وَأَمَّا إذَا فَاتَ شَيْءٌ عن مَحَلِّهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ في آخِرِ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَرَكَ شيئا من سَجَدَاتِ صَلَاتِهِ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ ما قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَضَاهُ سَوَاءٌ كان الْمَتْرُوكُ سَجْدَةً وَاحِدَةً أو أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ من أَيَّةِ رَكْعَةٍ تَرَكَهُ أو لم يَعْلَمْ لَكِنَّ الْكَلَامَ في كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهِيَ الْمَسَائِلُ الْمَعْرُوفَةُ بِالسَّجَدَاتِ‏.‏

فصل الكلام في مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ

وأما ‏[‏والكلام‏]‏ الكلام في مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ يَدُورُ على أُصُولٍ منها أَنَّ السَّجْدَةَ الْأَخِيرَةَ إذَا فَاتَتْ عن مَحَلِّهَا وَقُضِيَتْ الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا على ما هو الْأَصْلُ في الْقَضَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا تَرَدَّدَتْ بين الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَالْحُكْمُ بِالْفَسَادِ أَوْلَى وَإِنْ كان لِلْجَوَازِ وُجُوهٌ وَلِلْفَسَادِ وَجْهٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كان ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيمَا قُلْنَا لِأَنَّ إعَادَةَ ما ليس عليه أَوْلَى من تَرْكِ ما عليه وَمِنْهَا أَنَّ السَّجْدَةَ الْمُؤَدَّاةَ في وَقْتِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَاَلَّتِي صَارَتْ بِمَحَلِّ الْقَضَاءِ لَا بُدَّ لها من النِّيَّةِ لِأَنَّهَا إذَا أُدِّيَتْ في مَحَلِّهَا تَنَاوَلَتْهَا نِيَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جُعِلَتْ مُتَنَاوِلَةً كُلَّ فِعْلٍ في مَحَلِّهِ الْمُتَعَيِّنِ له شَرْعًا فَأَمَّا ما وُجِدَ في غَيْرِ مَحَلِّهِ فلم تَتَنَاوَلْهُ النِّيَّةُ الْحَاصِلَةُ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بين السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ كان تَرْكُ الْبِدْعَةِ وَاجِبًا وَتَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْلَى من تَحْصِيلِ السُّنَّةِ وَمَتَى دَار بين الْبِدْعَةِ وَالْفَرِيضَةِ كان التَّحْصِيلُ أَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ وَاجِبٌ وَالْفَرْضُ أَهَمُّ من الْوَاجِبِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَرْضِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَتَحْصِيلَ الْبِدْعَةِ لَا يُفْسِدُهَا فَكَانَ تَحْصِيلُ الْفَرْضِ أَوْلَى وَمِنْهَا أَنَّ الْمَتْرُوكَ مَتَى دَارَ بين سَجْدَةٍ وَرَكْعَةٍ يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَأْتِي بِالرَّكْعَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ إنْ كان سَجْدَةً فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَيَتَشَهَّدُ وَإِنْ كان الْمَتْرُوكُ رَكْعَةً لَا يَضُرُّهُ تَحْصِيلُ زِيَادَةِ السَّجْدَةِ وَإِنَّمَا لَا يَبْدَأُ بِالرَّكْعَةِ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لو كان هو الرَّكْعَةَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كان هو السَّجْدَةَ فإذا أتى بِالرَّكْعَةِ فَقَدْ زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً في خِلَالِ صَلَاتِهِ قبل تَمَامِ الصَّلَاةِ فَانْعَقَدَتْ الرَّكْعَةُ تَطَوُّعًا فَصَارَ مُنْتَقِلًا من الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ قبل تَمَامِ الْفَرْضِ فَيَفْسُدُ فَرْضُهُ وإذا سَجَدَ قَعَدَ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لو كان سَجْدَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَافْتُرِضَتْ الْقَعْدَةُ وَلَوْ صلى رَكْعَةً قبل التَّشَهُّدِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْتَقِلًا من الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ قبل تَمَامِ الْفَرْضِ وَلَوْ كان الْمَتْرُوكُ هو الرَّكْعَةَ لَا يَضُرُّهُ تَحْصِيلُ السَّجْدَةِ وَالْقَعْدَةِ وقد دَارَتْ بين الْفَرْضِ وَالْبِدْعَةِ فَكَانَ التَّحْصِيلُ أَوْلَى وَمِنْهَا أَنَّ زِيَادَةَ ما دُونَ الرَّكْعَةِ قبل إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْفَرِيضَةِ بِأَنْ زَادَ رُكُوعًا أو سُجُودًا أو قِيَامًا أو قُعُودًا إلَّا على رِوَايَةٍ عن مُحَمَّدٍ أَنَّ زِيَادَةَ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ مُفْسِدَةٌ فَزِيَادَةُ الرَّكْعَةِ الْكَامِلَةِ قبل إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ يُفْسِدُهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ لِمَا مَرَّ من الْفِقْهِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّرْتِيبَ في أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَكُونُ رُكْنًا وَتَرْكُهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَمْدًا كان أو سَهْوًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى في ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أو الثَّلَاثِ من الْمَكْتُوبَاتِ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَرِيضَةٌ لِمَا مَرَّ أَيْضًا‏.‏

وَمِنْهَا أَنَّ سَلَامَ السَّهْوِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَأَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَجِبُ بِتَأْخِيرِ رُكْنٍ عن مَحَلِّهِ وَتُؤَدَّى بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا وقد مَرَّ هذا أَيْضًا وَمِنْهَا أَنْ يُنْظَرَ في تَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ إلَى الْمُؤَدَّيَاتِ من السَّجَدَاتِ وَإِلَى الْمَتْرُوكَاتِ فَتُخَرَّجُ على الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَعِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا يُخَيَّرُ لِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ تعالى أَعْلَمُ‏.‏

وإذا عَرَفْتَ الْأُصُولَ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ إذَا تَرَكَ سَجْدَةً من هذه الصَّلَوَاتِ فَالْمَتْرُوكُ منه إمَّا إن كان صَلَاةَ الْفَجْرِ وَإِمَّا إن كان صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وأما إن كان صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ زَادَ على رَكَعَاتِ هذه الصَّلَوَاتِ أو لم يَزِدْ فَإِنْ كان الْمَتْرُوكُ منه صَلَاةَ الْغَدَاةِ ولم يَزِدْ على رَكْعَتَيْهَا فَتَرَكَ منها سَجْدَةً ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قبل أَنْ يُسَلِّمَ أو بعد ما سَلَّمَ قبل أَنْ يَتَكَلَّمَ سَجَدَهَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهَا من الرَّكْعَةِ الْأُولَى أو من الثَّانِيَةِ أو لم يَعْلَمْ لِأَنَّهَا فَاتَتْ عن مَحَلِّهَا ولم تَفْسُدْ الصَّلَاةُ بِفَوَاتِهَا فَلَا بُدَّ من قَضَائِهَا لِأَنَّهَا رُكْنٌ وَلَوْ لم يَقْضِ حتى خَرَجَ عن الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَالْقِرَاءَةِ في الْأُولَيَيْنِ إذَا فَاتَتْ عنهما تُقْضَى في الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ لو لم تُقْضَ حتى خَرَجَ عن الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَلَا بُدَّ من الْقَضَاءِ وَإِنْ فَاتَتْ عن مَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ لِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِقِيَامِ التَّحْرِيمَةِ كَذَا هذا وَيَنْوِي الْقَضَاءَ عِنْدَ تَحْصِيلِ هذه السَّجْدَةِ لِأَنَّهَا إنْ كانت من الرَّكْعَةِ الْأُولَى تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِدُخُولِهَا تَحْتَ الْقَضَاءِ وَإِنْ كانت من الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا تَحْتَاجُ لِأَنَّ نِيَّةَ أَصْلِ الصَّلَاةِ تَنَاوَلَتْهُ فَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَأْتِي بِالنِّيَّةِ احْتِيَاطًا وَقِيلَ يَنْوِي ما عليه من السَّجْدَةِ في هذه الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَجْدَةٍ مَتْرُوكَةٍ يَسْجُدُهَا في هذا الْكتاب‏.‏

وَيَتَشَهَّدُ عَقِيبَ السَّجْدَةِ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ في غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا بُدَّ من التَّشَهُّدِ وَلَوْ تَرَكَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ فَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ تَرَكَ منها سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا من رَكْعَتَيْنِ أو من الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فإنه يَسْجُدُهُمَا وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُمَا من رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ تُقَيَّدُ كُلُّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ وَتَوَقَّفَ تَمَامُهَا على سَجْدَةِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ على وَجْهِ الْقَضَاءِ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وإذا تَرَكَهُمَا من الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيُتِمُّهَا بِسَجْدَتَيْنِ على وَجْهِ الْأَدَاءِ لِوُجُودِهِمَا في مَحَلِّهِمَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا من الرَّكْعَةِ الْأُولَى صلى رَكْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمَّا رَكَعَ ولم يَسْجُدْ حتى رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ صَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَقَعَ مُكَرَّرًا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَلْغُوَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ ما وُجِدَ من السَّجْدَتَيْنِ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَلْتَحِقَانِ بِأَحَدِ الرُّكُوعَيْنِ لَكِنَّهُمَا يَلْتَحِقَانِ بِالْأَوَّلِ أو بِالْآخِرِ يُنْظَرُ في ذلك إنْ كان الرُّكُوعُ ‏(‏الأول‏)‏ قبل الْقِرَاءَةِ يَلْتَحِقَانِ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي وَيَلْغُو الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ وَقَعَ قبل أَوَانِهِ إذْ أَوَانُهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ولم تُوجَدْ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَالرُّكُوعُ الثَّانِي وَقَعَ في أَوَانِهِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا حتى أَنَّ من أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ كان مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ كُلِّهَا وَلَوْ أَدْرَكَ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَإِنْ كان الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ في رِوَايَةِ باب السَّهْوِ وفي رواية‏:‏ باب الْحَدَثِ الْمُعْتَبَرِ هو الْأَوَّلُ وَيُضَمُّ السَّجْدَتَانِ لِلسَّهْوِ وَيَلْغُو الثَّانِي وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ لم يَكُنْ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لم يَعْلَمْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ صلى رَكْعَةً كَامِلَةً لِأَنَّهُ إنْ كان تَرَكَ إحْدَى السَّجْدَتَيْنِ من الْأُولَى وَالْأُخْرَى من الثَّانِيَةِ فإن صَلَاتَهُ تَتِمُّ بِسَجْدَتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ تَقَيَّدَتْ بِالسَّجْدَةِ فَيَلْتَحِقُ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ وَتَكُونُ السَّجْدَتَانِ على وَجْهِ الْقَضَاءِ لِفَوَاتِهِمَا عن مَحَلِّهِمَا‏.‏

وَإِنْ كان تَرَكَهُمَا من الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ عليه إلَّا السَّجْدَتَانِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَقَدْ حَصَلَتْ السَّجْدَتَانِ على وَجْهِ الْأَدَاءِ لِحُصُولِهِمَا بَعْدَهُمَا عَقِيبَ هذه الرَّكْعَةِ فَيُحْكَمُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَلَا رَكْعَةَ عليه في هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كان تَرَكَهُمَا من الرَّكْعَةِ الْأُولَى صلى رَكْعَةً ثُمَّ ما وُجِدَ من السَّجْدَتَيْنِ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَلْتَحِقَانِ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ إنْ كان الرُّكُوعُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ على رِوَايَةِ باب الْحَدَثِ وَحَصَلَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ مُكَرَّرًا فلم يَكُنْ بِهِمَا عِبْرَةٌ فَتَحْصُلُ له رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَالْوَاجِبُ عليه قَضَاءُ رَكْعَةٍ وَعَلَى رِوَايَةِ باب السَّهْوِ تَنْصَرِفُ السَّجْدَتَانِ إلَى الرُّكُوعِ الثَّانِي لِقُرْبِهِمَا منه فِعْلًا على ما مَرَّ وَيَرْتَفِضُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالْقِيَامُ قَبْلَهُ وَيَلْغُوَانِ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جميعا في هذه الْحَالَةِ تَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ فَفِي حَالَتَيْنِ يَجِبُ سَجْدَتَانِ وفي حَالَةٍ رَكْعَةٌ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ وَيَبْدَأُ بِالسَّجْدَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ إنْ كان سَجْدَتَيْنِ تَتِمُّ صَلَاتُهُ بِهِمَا وَبِالتَّشَهُّدِ بَعْدَهُمَا فَالرَّكْعَةُ بَعْدَ تَمَامِ الْفَرْضِ لَا تَضُرُّ وَإِنْ كان الْمَتْرُوكُ رَكْعَةً فَزِيَادَةُ السَّجْدَتَيْنِ وَقَعْدَةٍ لَا تَضُرُّ أَيْضًا وَلَوْ بَدَأَ بِالرَّكْعَةِ قبل السَّجْدَتَيْنِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ إنْ كان رَكْعَةٌ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِهِمَا وَإِنْ كان سَجْدَتَانِ فَزِيَادَةُ الرَّكْعَةِ قبل إكْمَالِ الْفَرْضِ تُفْسِدُ الفرض لِمَا مَرَّ ‏(‏وَيَقْعُدُ بين السَّجْدَتَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذلك آخِرُ صَلَاتِهِ على بَعْضِ الْوُجُوهِ‏)‏‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالسَّجْدَتَيْنِ الْقَضَاءَ وَإِنْ كان ذلك مُتَرَدِّدًا أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ على شَيْءٍ يَعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لم يَقَعْ تَحَرِّيهِ على شَيْءٍ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي رَكْعَةً لِأَنَّ الْمُؤَدَّى أَقَلُّ فَيُعْتَبَرُ ذلك فَنَقُولُ لَا يَتَقَيَّدُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ تَكْمِيلًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَا يَتَشَهَّدُ هَهُنَا لِأَنَّ بِتَحْصِيلِ رَكْعَةٍ لَا يَتَوَهَّمُ تَمَامَ الصَّلَاةِ لِيَتَشَهَّدَ بَلْ عليه أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالسَّجْدَةِ قَضَاءَ الْمَتْرُوكَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ إنَّمَا أتى بِسَجْدَةٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ فإذا لم يَنْوِ بِهَذِهِ السَّجْدَةِ الْقَضَاءَ تَتَقَيَّدُ بها الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ فإذا قام بَعْدَهَا وَصَلَّى رَكْعَةً كان مُتَنَفِّلًا بها قبل إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وإذا نَوَى بها الْقَضَاءَ الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا وَانْتَقَضَ الرُّكُوعُ الْمُؤَدَّى بَعْدَهَا لِأَنَّ ما دُونَ الرَّكْعَةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلِهَذَا يَنْوِي بها الْقَضَاءَ ولم يذكر مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لو تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مَاذَا يَفْعَلُ وَقِيلَ إنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً من غَيْرِ تَشَهُّدٍ بين السَّجْدَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ في الْحَقِيقَةِ قام وَرَكَعَ مَرَّتَيْنِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِيَلْتَحِقَ ‏(‏بِأَحَدِ الرُّكُوعَيْنِ‏)‏ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَلْغُو الرُّكُوعُ الْآخَرُ وَقِيَامُهُ وَيَحْصُلُ له رَكْعَةٌ فبعد ‏[‏وبعد‏]‏ ذلك إنْ صلى رَكْعَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ تعالى أَعْلَمُ‏.‏

وَإِنْ تَرَكَ من الظُّهْرِ أو من الْعَصْرِ أو من الْعِشَاءِ سَجْدَةً فَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَتَشَهَّدُ على ما ذَكَرْنَا في الْفَجْرِ وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُمَا من رَكْعَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا كَانَتَا فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَكَذَا لو تَرَكَهُمَا من الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وإن تَرَكَهُمَا من إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ لِأَنَّ قِيَامًا وَرُكُوعًا ارْتَفَضَا على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فإذا كان يَجِبُ في حَالٍ رَكْعَةٌ وفي حَالٍ سَجْدَتَانِ يُجْمَعُ بين الْكُلِّ احْتِيَاطًا وإذا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يَقْعُدُ لِجَوَازِ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَرْضٌ وَيَنْوِي بِالسَّجْدَتَيْنِ ما عليه لِجَوَازِ إن تَرْكَهُمَا من ثِنْتَيْنِ قبل الْأَخِيرَةِ أو من رَكْعَةٍ قَبْلَهَا وَيَبْدَأُ بِالسَّجْدَتَيْنِ احْتِيَاطًا لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً لِأَنَّ من الْجَائِزِ أَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ من الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَيُقَيِّدُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً من إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَتَيْنِ من الرَّابِعَةِ فَيُتِمُّ الرَّابِعَةَ بِسَجْدَتَيْنِ وَيَلْتَحِقُ سَجْدَةٌ بِمَحَلِّهَا وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ من رَكْعَةٍ من الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَةً من رَكْعَةٍ فَيَلْغُو قِيَامٌ وَرُكُوعٌ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ لِتَنْضَمَّ إلَى تِلْكَ الرَّكْعَةِ التي سَجَدَ فيها سَجْدَةٌ وَرَكْعَةٌ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ في حَالَتَيْنِ وَرَكْعَةٌ في حَالٍ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ وَيُقَدِّمُ السَّجَدَاتِ على الرَّكْعَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَيَنْوِي بِالسَّجَدَاتِ الثَّلَاثِ ما عليه لِمَا مَرَّ وَيَجْلِسُ بين السَّجَدَاتِ وَالرَّكْعَةِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لو تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ من أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ من رَكْعَتَيْنِ من الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَتَيْنِ من الرَّابِعَةِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ وَلَوْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ كُلَّهَا من الرَّكْعَتَيْنِ من الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ منها وَسَجْدَتَيْنِ في الرَّابِعَةِ فَقَدْ لَغَا قِيَامَانِ وَرُكُوعَانِ فَكَانَ الْوَاجِبُ عليه رَكْعَتَانِ وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ من رَكْعَةٍ من إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَتَيْنِ من رَكْعَتَيْنِ من الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ وَسَجْدَتَانِ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ احْتِيَاطًا فَيَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ السَّجَدَاتِ على الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا لَا يَضُرُّ وَتَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ يُفْسِدُ الْفَرْضَ على بَعْضِ الْوُجُوهِ لِمَا بَيَّنَّا وَالصَّلَاةُ إذَا فَسَدَتْ من وَجْهٍ يُحْكَمُ بِفَسَادِهَا احْتِيَاطًا لِمَا مَرَّ وَيَنْوِي في ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ ما عليه لِأَنَّ ثِنْتَيْنِ فيها قَضَاءٌ لَا مَحَالَةَ وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهَا إمَّا إن كانت زَائِدَةً أو من الرَّابِعَةِ فَلَا يَنْوِي فيها وَالثَّالِثَةُ مُحْتَمَلَةٌ يُحْتَمَلُ إنها من الرَّابِعَةِ وَيُحْتَمَلُ إنها من إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَيَنْوِي احْتِيَاطًا وإذا سَجَدَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ يَتَشَهَّدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذلك آخِرُ صَلَاتِهِ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَرِيضَةٌ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّ من الْجَائِزِ أَنَّ عليه رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَيَكُونُ ما بَعْدَ الرَّكْعَةِ آخِرَ صَلَاتِهِ فَلَا بُدَّ من الْقَعْدَةِ فَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ وَإِنْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهَهُنَا يُعْتَبَرُ الْمُؤَدَّى لِأَنَّهُ أَقَلُّ فَهَذَا رَجُلٌ سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَإِنْ سَجَدَهَا في ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ تَقَيَّدَتْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَرَكْعَةٌ وَلَوْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ وَسَجْدَةً في رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ فَفِي حَالٍ عليه ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَرَكْعَةٌ وفي حَالٍ رَكْعَتَانِ وَسَجْدَةٌ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ احْتِيَاطًا فَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ السَّجَدَاتِ على الرَّكْعَتَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا وإذا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَهَلْ يَقْعُدُ قبل أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَقْعُدُ لِأَنَّهُ لو كان سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ في ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فإذا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَقَدْ الْتَحَقَتْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ فَتَمَّتْ الثَّلَاثُ وَالْقَعْدَةُ على رَأْسِ الثَّالِثَةِ بِدْعَةٌ وَلَوْ كان سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ وَسَجْدَةً في رَكْعَةٍ فإذا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَقَدْ تَمَّتْ له رَكْعَتَانِ وَسَجْدَتَانِ إلَّا أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ لَغَتَا وَالْقَعْدَةُ على رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا سُنَّةٌ فَدَارَتْ الْقَعْدَةُ بين السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَكَانَ تَرْكُ الْبِدْعَةِ أَوْلَى وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَإِنْ كانت وَاجِبَةً لَكِنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ فَرْضٌ وهو أَهَمُّ من الْوَاجِبِ فَكَانَ تَرْكُ الْبِدْعَةِ أَوْلَى وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يَقْعُدُ بَعْدَ السَّجَدَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ لَمَّا دَارَتْ بين الْوَاجِبِ وَتَرْكِ الْبِدْعَةِ كان تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ مُسْتَحَبًّا فَقَالُوا يَقْعُدُ هَهُنَا قَعْدَةً مُسْتَحَبَّةً لَا مُسْتَحَقَّةً لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُلْحَقٌ بالفرائض ‏[‏بالفرض‏]‏ في حَقِّ الْعَمَلِ ثُمَّ بَعْدَ ذلك يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ لِأَنَّ هذه رَابِعَتُهُ من وَجْهٍ بِأَنْ كان أَدَّى السَّجَدَاتِ الثَّلَاثِ في ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فإذا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ تَمَّتْ له ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وإذا صلى رَكْعَةً فَهَذِهِ رَابِعَتُهُ وَالْقَعْدَةُ بَعْدَهَا فَرْضٌ وَهِيَ ثَالِثَتُهُ من وَجْهٍ بِأَنْ أَدَّى السَّجْدَتَيْنِ من رَكْعَةٍ وَسَجْدَةً من رَكْعَةٍ فإذا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ الْتَحَقَتْ سَجْدَةٌ بِالرَّكْعَةِ التي سَجَدَ فيها سَجْدَةً وَتَمَّتْ له رَكْعَتَانِ فَكَانَتْ هذه ثَالِثَتَهُ وَالْقَعْدَةُ بَعْدَهَا بِدْعَةٌ فَدَارَتْ بين الْفَرْضِ وَالْبِدْعَةِ فَيُغَلَّبُ الْفَرْضُ لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ وَإِنْ كان فَرْضًا وَاسْتَوَيَا من هذا الْوَجْهِ لَكِنْ تَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْفَرْضِ لِمَا في تَرْكِ الْفَرْضِ من ضَرَرِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ ثُمَّ بَعْدَ التَّشَهُّدِ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ويسلم ‏[‏ثم‏]‏ وَلَوْ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لِأَنَّهُ ما سَجَدَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ سَجَدَهُمَا في رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ سَجَدَهُمَا في رَكْعَتَيْنِ‏.‏

فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لِتَتِمَّ الرَّكْعَتَانِ وَرَكْعَتَانِ أُخْرَاوَانِ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَيُقَدِّمُ السَّجْدَتَيْنِ لِمَا قُلْنَا وَبَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ هل يجلس ‏[‏يسجد‏]‏ أَمْ لَا على ما ذَكَرْنَا من اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ دَائِرَةٌ بين أنها بَعْدَ رَكْعَةٍ أَمْ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ كان سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ كانت الْقَعْدَةُ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَإِنْ كان سَجَدَهُمَا في رَكْعَتَيْنِ كانت الْقَعْدَةُ بين الرَّكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ رَكْعَةٍ بِدْعَةً وَبَعْدَهُمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ سُنَّةٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَاجِبَةٌ وَكَذَا هذا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا صلى بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ رَكْعَةً وَاحِدَةً لِكَوْنِ الرَّكْعَةِ دَائِرَةً بين كَوْنِهَا ثَانِيَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا ثَالِثَةً لِأَنَّهُ إنْ كان سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ كانت هذه الرَّكْعَةُ ثَانِيَةً وَإِنْ كان سَجَدَهُمَا في رَكْعَتَيْنِ كانت هذه الرَّكْعَةُ ثَالِثَةً وإذا صلى رَكْعَةً أُخْرَى يَجْلِسُ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهَا دَائِرَةً بين كَوْنِهَا رَابِعَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا ثَالِثَةً فَافْهَمْ وَلَوْ تَرَكَ سَبْعَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لِأَنَّهُ ما سَجَدَ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً فلم تَتَقَيَّدْ إلَّا رَكْعَةٌ فَعَلَيْهِ سَجْدَةُ لِتَتِمَّ هذه الرَّكْعَةُ وَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِتَتِمَّ الْأَرْبَعُ وَلَوْ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لِأَنَّهُ أتى بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فإذا أتى بِسَجْدَتَيْنِ يَلْتَحِقَانِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ وَيَرْتَفِضُ الْبَاقِي على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَصِيرُ مُصَلِّيًا رَكْعَةً فَيَكُونُ عليه ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِتَتِمَّ الْأَرْبَعُ وَلَوْ تَرَكَ من الْمَغْرِبِ سَجْدَةً سَجَدَهَا لَا غَيْرُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً لِمَا بَيَّنَّا وَيَقْعُدُ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ لِجَوَازِ أَنَّ فَرْضَهُ تَمَّ بِأَنْ تَرَكَهَا من رَكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةُ تَكُونُ تَطَوُّعًا فَلَا بُدَّ من الْقُعُودِ‏.‏

وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ من ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فإذا سَجَدَهَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَيَتَشَهَّدُ وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَةً من إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ من الثَّالِثَةِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ من إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَرَكْعَةٌ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَالْعِبْرَةُ في هذا لِلْمُؤَدَّاةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ فَهَذَا رَجُلٌ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ سَجَدَهُمَا في رَكْعَةٍ فَقَدْ صلى رَكْعَةً فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَاوَيْنِ وَإِنْ سَجَدَهُمَا في رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ تَقَيَّدَ بِكُلِّ سَجْدَةٍ رَكْعَةٌ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لِيَتِمَّا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً فَفِي حَالٍ عليه رَكْعَتَانِ وفي حَالٍ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ الْجِلْسَةُ مُخْتَلَفٌ فيها وَأَكْثَرُهُمْ على أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ على ما مَرَّ وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ يَجْلِسُ لَا مَحَالَةَ لِجَوَازِ أنها ثَالِثَةٌ وَإِنْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِهَذِهِ السَّجْدَةِ عن الرَّكْعَةِ التي قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّهُ لو لم يَنْوِ وقد كان قَيَّدَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ لَالْتَحَقَتْ هذه السَّجْدَةُ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي أو الثَّالِثِ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَتَقَيَّدُ له رَكْعَتَانِ يَتَوَقَّفَانِ على سَجْدَتَيْنِ فإذا صلى رَكْعَتَيْنِ قبل أَدَائِهَا بين السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَتِمُّ بِهِمَا الرَّكْعَتَانِ الْمُقَيَّدَتَانِ فَسَدَتْ فَرْضِيَّةُ صَلَاتِهِ فإذا نَوَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ عن الرَّكْعَةِ التي تَقَيَّدَتْ بِتِلْكَ السَّجْدَةِ تَمَّتْ بِهِ فَبَعْدَ ذلك يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْعُدُ بين الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ هذه ثَانِيَتُهُ بِيَقِينٍ فلم يَكُنْ في الْقَعْدَةِ شُبْهَةُ الْبِدْعَةِ وَلَوْ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ أتى بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِتَلْتَحِقَا بِرُكُوعٍ منها على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَتَتِمُّ له رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ لِعَدَمِ شُبْهَةِ الْبِدْعَةِ ثُمَّ أُخْرَى وَيَقْعُد فَرْضًا هذا إذَا كان لم يَزِدْ على عَدَدِ رَكَعَاتِ صَلَاتِهِ فَأَمَّا إذَا زَادَ بِأَنْ صلى الْغَدَاةَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنْ تَرَكَ منها سَجْدَةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعًا لم تَفْسُدْ وَالْأَصْلُ في هذه الْمَسَائِلِ إن الصَّلَاةَ مَتَى دَارَتْ بين الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ نَحْكُمُ بِفَسَادِهَا احْتِيَاطًا وَإِنَّ من انْتَقَلَ من الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ وَقَيَّدَ النَّفَلَ بِالسَّجْدَةِ قبل تمام ‏[‏إتمام‏]‏ الْفَرْضِ بِأَنْ بَقِيَ عليه الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ أو بَقِيَ عليه سَجْدَةٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ من ضَرُورَةِ دُخُولِهِ في النَّفْلِ خُرُوجُهُ عن الْفَرْضِ وقد بَقِيَ عليه رُكْنٌ فَيَفْسُدُ فَرْضُهُ كما لو اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ قبل تَمَامِ الْفَرْضِ‏.‏

وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا زَادَ على رَكَعَاتِ الْفَرْضِ رَكْعَةً يَضُمُّ الرَّكْعَةَ الزَّائِدَةَ إلَى الرَّكَعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَيَنْظُرُ إلَى عَدَدِهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى سَجَدَاتِ عَدَدِهَا فَتَكُونُ سَجَدَاتُ الْفَجْرِ بِالْمَزِيدِ سِتًّا لِأَنَّهَا مع الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَلِكُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَانِ وَسَجَدَاتُ الظُّهْرِ بِالْمَزِيدِ عَشْرًا وَسَجَدَاتُ الْمَغْرِبِ بِالْمَزِيدِ ثَمَانِيًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كان الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ من النِّصْفِ أو النِّصْفَ يُحْكَمُ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ لِأَنَّ من الْجَائِزِ أَنَّهُ أتى في كل رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ فَتَتَقَيَّدُ رَكَعَاتُ الْفَرْضِ كُلُّهَا ثُمَّ انْتَقَلَ منها إلَى الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ وَهِيَ تَطَوُّعٌ قبل أَدَاءِ تِلْكَ السَّجَدَاتِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كان الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ من النِّصْفِ يُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ الْمَفْرُوضَ مع الزَّائِدِ لم يَتَقَيَّدْ الْكُلُّ فإن الْفَجْرَ مع الزَّائِدِ لم يَتَقَيَّدْ بِسَجْدَتَيْنِ بَلْ لو تَقَيَّدَ تَقَيَّدَ رَكْعَتَانِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَقَيَّدَ بِسَجْدَتَيْنِ فلم يُوجَدْ الِانْتِقَالُ إلَى النَّفْلِ بَعْدُ وَكَذَا خَمْسُ رَكَعَاتٍ في الظُّهْرِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَقَيَّدَ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَلَا الْمَغْرِبُ مع الزِّيَادَةِ بِثَلَاثِ سَجَدَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِانْتِقَالُ إلَى النَّفْلِ ثُمَّ في كل مَوْضِعٍ لم تَفْسُدْ فَتَكُونُ الْمُؤَدَّيَاتُ أَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَيَنْظُرُ إلَى الْمُؤَدَّيَاتِ في ذلك الْفَرْضِ ثُمَّ يتم ‏[‏يتمم‏]‏ الْفَرْضَ على ما بَيَّنَّا وإذا عَرَفْتِ هذه الْأُصُولَ فَنَقُولُ إذَا صلى الْغَدَاةَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ منها سَجْدَةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا من الْأُولَى أو من الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ فَقَدْ انْعَقَدَتْ نَفْلًا فَصَارَ خَارِجًا من الْفَرْضِ ضَرُورَةَ دُخُولِهِ في النَّفْلِ فَخَرَجَ من الْفَرْضِ وقد بَقِيَ عليه منه سَجْدَةٌ فَفَسَدَ فَرْضُهُ كما لو صلى الفرض ‏[‏الفجر‏]‏ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ منها سَجْدَةً فلم يَسْجُدْهَا حتى قام وَذَهَبَ وَإِنْ تَرَكَهَا من الثَّالِثَةِ لَا تَفْسُدُ فَدَارَتْ بين الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَنَحْكُمُ بِالْفَسَادِ فَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ فكذلك لأنه إنْ تَرَكَ سَجْدَةً من الْأُولَى وَسَجْدَةً من الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِتَقَيُّدِ كل وَاحِدَةٍ من رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ بِسَجْدَةٍ ثُمَّ دخل في النَّفْلِ قبل الْفَرَاغِ من الْفَرْضِ وكذلك إنْ تَرَكَ سَجْدَةً من إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَسَجْدَةً من الثَّالِثَةِ لِأَنَّ تَرْكَ سَجْدَةٍ من الْأُولَيَيْنِ يَكْفِي لِفَسَادِ الْفَرْضِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ تَرَكَهُمَا من الثَّالِثَةِ لَا يَفْسُدُ فَرْضُهُ لِأَنَّهُ قد صلى رَكْعَتَيْنِ كُلُّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْنِ فَإِذًا في حَالَيْنِ تَفْسُدُ وفي حَالٍ تَجُوزُ وَلَوْ كانت تَجُوزُ في حَالَيْنِ وَتَفْسُدُ في حَالٍ لَلَزِمَ الْفَسَادُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ في هذه الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ‏.‏

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْقَوْلَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْتَمِلُ أَحَدُهُمَا الْجَوَازَ وَالْآخَرُ الْفَسَادَ على ما بَيَّنَّا فَنَحْكُمُ بِالْفَسَادِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ من حَقَّقَ الْقَوْلَيْنِ فقال في قَوْلٍ تَفْسُدُ لِمَا قُلْنَا وفي قَوْلٍ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ على أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ الْمَتْرُوكَتَيْنِ من الثَّالِثَةِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا تَرَكَ سَجْدَةً وَاحِدَةً قَوْلَانِ في قَوْلٍ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ على أَنَّهُ تَرَكَهَا من الثَّالِثَةِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَكَذَلِكَ لو تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ تَفْسُدُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَكْثَرُ من النِّصْفِ فَهَذَا الرَّجُلُ ما سَجَدَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ سَوَاءٌ سَجَدَهُمَا في رَكْعَتَيْنِ أو في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فلم يَصِرْ بِذَلِكَ خَارِجًا من الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ لِأَنَّ الزَّائِدَ على الرَّكْعَتَيْنِ أَقَلُّ من رَكْعَةٍ فلم يَصِرْ مُنْتَقِلًا إلَى النَّفْلِ بَعْدُ فَلَا يَفْسُدُ فَرْضُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ وَيَتَشَهَّدَ وَلَا يُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَةً كَامِلَةً لِأَنَّهُ قد أتى بِسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ كان أتى بِهِمَا في رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لَا غَيْرُ وَإِنْ كان أتى بِهِمَا في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ فَيَجْمَعُ بين الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ أَوَّلًا وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَصَارَ هذا كما ‏(‏إذا‏)‏ لو صلى الْغَدَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ منها سَجْدَتَيْنِ وَجَوَابُهُ ما ذَكَرْنَا كَذَا هذا وَكَذَلِكَ لو تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ هذا الرَّجُلَ ما صلى إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً فَيَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى لِتَتِمَّ الرَّكْعَةُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى كما إذَا صلى الْغَدَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ منها ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَالْجَوَابُ فيه ما ذَكَرْنَا فَكَذَا هذا وَكَذَلِكَ لو تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ لِأَنَّهُ لم يَسْجُدْ شيئا وَإِنَّمَا رَكَعَ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ فَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْنِ حتى يَصِيرَ له رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى كما إذَا صلى الْفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَك منها أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَعَلَى هذا إذَا صلى الظُّهْرَ أو الْعَصْرَ أو الْعِشَاءَ خَمْسًا وَتَرَكَ منها سَجْدَةً ثُمَّ قام وَذَهَبَ وَلَوْ تَرَكَ منها سَجْدَتَيْنِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إنْ تَرَكَهَا من الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا أو خَمْسًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ من كل رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَتَرَكَ ثَلَاثًا من ثَلَاثٍ وَأَرْبَعًا من الْأَرْبَعِ وَخَمْسًا من خَمْسٍ وَذَلِكَ جِهَةُ الْفَسَادِ وَلَوْ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هَهُنَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ ما سَجَدَ إلَّا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَيَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ أُخَرَ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَكُونُ كما إذَا صلى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ منها أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَالْجَوَابُ وَالْمَعْنَى فيه ما ذَكَرْنَا هُنَالِكَ كَذَا هَهُنَا وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ منها سَبْعًا أو ثَمَانِيًا أو تِسْعًا أو عَشْرًا فَالْجَوَابُ فيه كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا صلى أَرْبَعًا وَتَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أو سَجْدَتَيْنِ أو سَجْدَةً أو لم يَسْجُدْ رَأْسًا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ وَلَا الْمَعْنَى وقد مَرَّ ذلك كُلُّهُ وَكَذَلِكَ لو صلى الْمَغْرِبَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ منها سَجْدَةً أو سَجْدَتَيْنِ أو ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ إذَا صَلَّاهَا خَمْسًا وَتَرَكَ منها خَمْسَ سَجَدَاتٍ أو أَقَلَّ ولو تَرَكَ منها خَمْسَ سَجَدَاتٍ أو سِتًّا أو سَبْعًا لَا تَفْسُدُ وَيُنْظَرُ إلَى الْمُؤَدَّى وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ ما إذَا صلى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَتَرَكَ منها ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أو أَرْبَعًا أو خَمْسًا وَهُنَاكَ يُنْظَرُ إلَى الْمُؤَدَّى من السَّجَدَاتِ فَيَضُمُّ إلَى كل سَجْدَةٍ أَدَّاهَا سَجْدَةً ثُمَّ يُتِمُّ صَلَاتَهُ على نَحْوِ ما ذَكَرْنَا هُنَاكَ كذا هَهُنَا وَلَوْ كَبَّرَ رَجُلٌ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ فصلى إمَامُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ من كل رَكْعَةٍ سَجْدَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ النَّائِمَ بَعْدَ ما انْتَبَهَ فإنه يُشِيرُ إلَيْهِمْ حتى لَا يَتْبَعُوهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَةً وَسَجْدَةً ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَتْبَعُهُ الْقَوْمُ في السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَا يُصَلِّي الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ وَالْإِمَامُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِهِ النَّائِمَ يَنْبَغِي له أَنْ يُقَدِّمَ من أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَكَذَا لو لم يَنَمْ وَلَكِنَّهُ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جاء فَقَدَّمَهُ فَهَذَا حُكْمُهُ مُسَافِرًا كان أو مُقِيمًا لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا له أَنْ يَتَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على إتْمَامِ الصَّلَاةِ على الْوَجْهِ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِقَضَاءِ السَّجَدَاتِ كما وَجَبَ على الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لَصَارَ مُرْتَكِبًا أَمْرًا مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ وَالْمُدْرِكُ يَأْتِي بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَإِنْ ابْتَدَأَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَقَدْ أَلْجَأَ الْقَوْمَ إلَى زِيَادَةِ مُكْثٍ في الصَّلَاةِ فإنه يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُشِيرَ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ في كل رَكْعَةٍ مع سَجْدَةٍ فإذا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ يُتَابِعُونَهُ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا الرَّكَعَاتِ فَلَيْسَ لهم أَنْ يُصَلُّوا ثَانِيًا فلما كان تَقَدُّمُهُ يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ هو وَلَوْ تَقَدَّمَ مع هذا وَاشْتَغَلَ بِالْمَتْرُوكَاتِ أَوَّلًا وَتَابَعَهُ الْقَوْمُ جَازَ لِكَوْنِهِ خَلِيفَةَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ وَإِنْ كانت هذه السَّجَدَاتُ لَا تُحْتَسَبُ من صَلَاتِهِ لَا يَصِيرُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ هذا لَا يُعَدُّ منه نَفْلًا بَلْ هو في أَدَاءِ هذه الْأَفْعَالِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ يُؤَدِّي الْفَرْضَ نظيره ‏[‏نظير‏]‏ ما ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إمَامًا لو رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ رَجُلًا جاء سَاعَتَئِذٍ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ‏.‏

وَإِنْ كانت السَّجْدَتَانِ غير مَحْسُوبَتَيْنِ في حَقِّهِ فإن الْوَاجِبَ عليه أَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَةَ التي سُبِقَ بها بِسَجْدَتَيْهَا وَمَعَ ذلك جَازَتْ إمَامَتُهُ لِأَنَّ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضَانِ على الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وهو قَائِمٌ مَقَامَهُ وَلَوْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيُشِيرُ إلَى الْقَوْمِ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا هذه الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فإذا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ تَابَعَهُ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لم يَسْجُدُوا هذه السَّجْدَةَ هَكَذَا في الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا وإذا فَعَلَ هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قال في الْكتاب بَعْدَ ما حَكَى جَوَابَ أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْقَوْمُ لَا يُتَابِعُونَهُ في كل رَكْعَةٍ فإذا انْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ تَابَعُوهُ حَكَى مُحَمَّدٌ رحمه ‏[‏رضي‏]‏ اللَّهُ هذا ثُمَّ قال قلت أَمَا تَفْسُدُ عليه قال فَلِمَاذَا قلت إنَّ الْإِمَامَ مَرَّةً يَصِيرُ إمَامًا لِلْقَوْمِ وَغَيْرَ إمَامٍ مَرَّةً وَهَذَا قَبِيحٌ وَلَوْ كان هذا رَكْعَةً اُسْتُحْسِنَتْ في رَكْعَةٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ سُؤَالَهُ هذا ولم يذكر جَوَابَ أبي حَنِيفَةَ فَمِنْ مَشَايِخِنَا من جَعَلَ حِكَايَةَ هذا السُّؤَالِ مع تَرْكِ الْجَوَابِ إخْبَارًا عن الرُّجُوعِ وقال تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَاعْتَمَدَ على ما احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَصِيرُ إمَامًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُؤْتَمًّا تَابِعًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ إمَامًا مَتْبُوعًا مُنَافَاةٌ وَالصَّلَاةُ في نَفْسِهَا لَا تَتَجَزَّأُ حُكْمًا فَمَنْ كان في بَعْضٍ تَابِعًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَتْبُوعًا في شَيْءٍ منها لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ تَابِعًا في شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ صَيْرُورَتِهِ تَابِعًا في الْكُلِّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ التجزئ ‏[‏التجزيء‏]‏‏.‏

وَكَذَا صَيْرُورَتُهُ مَتْبُوعًا في بَعْضٍ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ صَيْرُورَتِهِ مَتْبُوعًا في الْكُلِّ لِعَدَمِ التجزئ ‏[‏التجزيء‏]‏ فإذا كان في بَعْضِهَا حِسًّا تَابِعًا وفي بَعْضِهَا مَتْبُوعًا كَأَنَّهُ في الْكُلِّ تَابِعٌ وفي الْكُلِّ مَتْبُوعٌ حُكْمًا لِعَدَمِ التجزىء ‏[‏التجزيء‏]‏ حُكْمًا وَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ بِالنَّصِّ فَيَتَقَدَّرُ الْجَوَازُ بِقَدْرِ ما وَرَدَ فيه النَّصُّ وَالنَّصُّ ما وَرَدَ فِيمَا يَصِيرُ إِمَامًا مِرَارًا ثُمَّ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا وَهَذَا في كل رَكْعَةٍ يُؤَدِّيهَا مُؤْتَمًّا فإذا انْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ الْمَتْرُوكَةِ من كل رَكْعَةٍ يَصِيرُ إمَامًا فَبَقِيَ على أَصْلِ ما يَقْتَضِيهِ الدَّلَائِلُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ اسْتَحْسَنْتُ هذا في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لو تَرَكَ سَجْدَةً لَا غَيْرُ من رَكْعَةٍ فَاسْتَخْلَفَ هذا النَّائِمَ وَابْتَدَأَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْقَوْمُ يَتَرَبَّصُونَ بُلُوغَهُ تِلْكَ السَّجْدَةَ فإذا سَجَدَهَا سَجَدُوا معه ثُمَّ بَعْدَهُ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا فَفِي هذا الْقِيَاسِ أَنْ تَفْسُدَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إمَامًا مَرَّةً وَمُؤْتَمًّا مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ مِثْلَ هذا في الْجُمْلَةِ جَائِزٌ فإن الْإِمَامَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ مَسْبُوقًا يَجُوزُ وَقَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ كان مُؤْتَمًّا وَبَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ إلَى تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ كان إمَامًا ثُمَّ إذَا تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ غَيْرَهُ حتى سَلَّمَ وَقَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ ما سَبَقَ عَادَ مُؤْتَمًّا من وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ لم يَجُزْ أَمَّا في مَسْأَلَتِنَا فَيَصِيرُ مُؤْتَمًّا وَإِمَامًا مِرَارًا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا وَقَالُوا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْعَلُ هذا رُجُوعًا من أبي حَنِيفَةَ مع عَدَمِ النَّصِّ على الرُّجُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَجَابَ أبو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لم يذكر الْجَوَابَ وَوَجْهُ ذلك أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ ثَبَتَ نَصًّا لِكَوْنِهِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وهو الْحَاجَةُ إلَى إصْلَاحِ الصَّلَاةِ على ما بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْحَاجَةُ هَهُنَا مُتَحَقِّقَةٌ فَيَجُوزُ وَقَوْلُهُ إنَّ بين كَوْنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ تَابِعًا وَمَتْبُوعًا مُنَافَاةٌ قُلْنَا في شَيْءٍ وَاحِدٍ مُسَلَّمٌ أَمَّا في شَيْئَيْنِ فَلَا وَالصَّلَاةُ أَفْعَالٌ مُتَغَايِرَةٌ حَقِيقَةً فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ تَابِعًا في بَعْضِهَا وَمَتْبُوعًا في بَعْضٍ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَجَزِّئَةٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ مُتَغَايِرَةٌ إلَّا في حَقِّ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ وَهَذَا لِأَنَّ التبعيض ‏[‏البعض‏]‏ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً فَارْتِفَاعُهُ يَكُونُ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ وفي حَقِّ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ قام الدَّلِيلُ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ فَغَيَّرَهَا فلم تَبْقَ مُتَبَعِّضَةً مُتَجَزِّئَةً في حَقِّهِمَا فَأَمَّا في حَقِّ التَّبَعِيَّةِ وَالْمَتْبُوعِيَّةِ في غَيْرِ أَوَانِ الْحَاجَةِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وفي أَوَانِ الْحَاجَةِ لَا إجْمَاعَ وَالْحَقَائِقُ تَتَبَدَّلُ بِقَدْرِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلتَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ وَلَا دَلِيلَ في هذه الْحَالَةِ بَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِ هذه الْحَقِيقَةِ حَيْثُ جَوَّزَ الِاسْتِخْلَافَ فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عِنْدَ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ مَرَّةً تَابِعًا وَمَرَّةً مَتْبُوعًا غَيْرُ مَانِعٍ وَيُنْظَرُ إلَى الْحَاجَةِ لَا إلَى وُرُودِ الشَّرْعِ في كل حَالَةٍ من أَحْوَالِ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ في الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ التي اسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ لم يَرِدْ الشَّرْعُ الْخَاصُّ وما اسْتَدَلَّ بِهِ من مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ لم يَرِدْ الشَّرْعُ الْخَاصُّ فيه وَإِنَّمَا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا من اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ في مَوْضِعٍ لم يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَغْيِيرِهَا وَمَنْ جَعَلَ وُرُودَ الشَّرْعِ بِالْجَوَازِ لِذِي الْحَاجَةِ وُرُودًا في كل مَحِلٍّ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِالْأَئِمَّةِ الْخَمْسَةِ وَمَعَ ذلك جَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَكَذَا الْوَاحِدُ إذَا ائْتَمَّ فَسَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ تَعَيَّنَ هذا الْوَاحِدُ لِلْإِمَامَةِ فإذا جاء الْأَوَّلُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ ثُمَّ لو سَبَقَ الثَّانِيَ حَدَثٌ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِلْإِمَامَةِ ثُمَّ إذَا جاء هذا الثَّانِي وَسَبَقَ الْأَوَّلَ الحدث ‏[‏حدث‏]‏ تَعَيَّنَ هذا الثَّانِي لِلْإِمَامَةِ هَكَذَا مِرَارًا لَكِنْ لَمَّا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ جُوِّزَ وَجُعِلَ النَّصُّ الْوَارِدُ بالاستخلاف وَارِدًا في كل مَحَلٍّ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ فيه فَكَذَا هذا وَالله أعلم‏.‏